منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

القطع إذا تعلق بموضوع لا حكم له فحينئذ يمكن اخذه موضوعا للحكم الشرعى فان جاعل الاحكام لما كان بيده الجعل ، فله اخذه في نفس ذلك الحكم ، على نحو الاطلاق ، بمعنى حصوله من اي سبب حصل كما ان له أخذه بنحو التقييد اي حصوله من سبب خاص كالكتاب أو السنة إلّا انه يحتاج الى بيان اخذه على أي النحوين فيسمى ذلك بمتمم الجعل كالاجماع الدال على اشتراك العالم والجاهل في التكليف وهو دال على عدم اعتبار العلم في التكاليف فاذا ثبت الاطلاق بالمتمم كذلك يثبت التقييد بالعلم به كاعتبار العلم في وجوب القصر وتقييد التكليف بالعلم اذا كان بنتيجة التقييد لا يلزم منه محذور الدور ويستفاد ذلك من دليل من خارج يسمى بمتمم الجعل وهو كما يمكن أن يكون دالا على التوسعة أن يدل دليل الحكم على اعتبار العلم من اي سبب حصل ولأي شخص حصل كذلك يمكن ان يكون دالا على التضييق مثل ان يدل دليل الحكم على اعتبار العلم من الامور العادية لا مثل الرمل والجفر ولا مانع من التخصيص بحسب الاسباب والاشخاص عقلا فى القطع بنحو التقييد حيث ان جاعل الاحكام لما كان بيده الجعل فله جعلها على الموضوعات اما مرسلة او مقيدة وعلى ما ذكرنا يحمل كلام الشيخ الانصاري (قدس‌سره) ما لفظه (وقد يدل دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط حصول القطع به من سبب خاص او شخص خاص مثل ما ذهب اليه بعض الاخباريين من عدم جواز العمل فى الشرعيات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب والسنة كما سيجيء وما ذهب اليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى) ولكن لا يخفى ما فيه اما اولا فان هذا الحمل مخالف لنص كلام الاخباريين فانها صريحة فيما اذا كان القطع متعلقا بموضوع له حكم مرسل ولا يكون حجة إلا اذا حصل من الكتاب والسنة ولو حصل من الدليل العقلي

٢١

وعارضه دليل عقلى لا يكون حجة ولذا يشكل عليهم بانه إذا حصل من الدليل العقلي كيف يحصل القطع بخلافه وبالجملة الناظر الى كلامهم بعين البصيرة والانصاف تجدهم يتكلمون فى القطع الطريقي المحض المتعلق بموضوع له حكم مرسل وليس غرض الشيخ الانصاري (قدس‌سره) من ذكر كلامهم إلّا صرف التمثيل للقطع الموضوعي لا حمل كلامهم عليه وثانيا ان تقييد الاحكام بالعلم واطلاقها لا يحتاج الى متمم الجعل بل يكفي الجعل الاولى بيان ذلك ان ذات الموضوع الملحوظة فى الرتبة السابقة على العلم فتارة يكون فى مقام الجعل والتشريع له سعة بنحو يشمل حالتي العلم وعدمه واخرى يلحظ في تلك المرتبة توأما مع القيد الى حصة ملازمة للعلم به لا مقيدة به ولا مطلقة ولا يخفى انه يكفي في اطلاقها عدم لحاظ التقييد ولو من جهة استحالته ولذا كان الاطلاق والتقييد في المقام من قبيل الايجاب والسلب لا من قبيل التضاد او العدم والملكة كما هو كذلك بالنسبة الى الاطلاق والتقييد اللحاظيين فان ذلك يكون من قبيل احدهما حيث ان تقييد الاحكام بالعلم يحتاج الى لحاظ حصة التوأم مع القيد والاطلاق يتحقق من دون لحاظ ذلك اذ ذات الاحكام فيها سعة لحالتي العلم وعدمه فالتقييد يحتاج الى لحاظ دون الاطلاق نعم يحتاج الجعل الاولى انه على اي النحوين الى قرينة وهى اجنبية عن كونها متمم الجعل اذا المتمم انما يحتاج اليه لو كان القيد له دخل فى الملاك كما هو كذلك في قصد التقرب فلذا قلنا بان اعتباره في المأمور به على نحو التوأمية التى هي عبارة عن نتيجة التقييد يحتاج الى متمم الجعل ولذا يستحيل منه الاطلاق كون القيد له دخل في الملاك فالجعل قد توجه الى حصة توأم مع القيد فليس فيه سعة لكي يمكن اطلاقه وانما وجدت من اول الامر مضيقة ولا يمكن الاطلاق في معروض الجعل ولذلك يفرق بين المقام وقصد التقرب.

٢٢

فان المقام يمكن الاطلاق فيه في معروض الجعل الاول لا مكان ان يكون التكليف له سعة لواجد القيد وعدمه وفى قصد التقرب لا يمكن فيه الاطلاق حيث ان معروض الجعل هو الحصة التوأمة مع القيد فلا سعة فيها لكي يمكن اطلاقه لما عرفت انه من اول الأمر وجد معروض الجعل الاولي ضيقا غير قابل للاطلاق ، ولا ينافى امكان التقييد لما عرفت ان المقابلة بين الاطلاق والتقييد من باب الايجاب والسلب لا من قبيل العدم والملكة ، حتّى يقال إذا امتنع احدهما امتنع الآخر وانما ذلك فى الاطلاق والتقييد اللحاظى كما لا يخفى ، وثالثا ان جعل وجوب القصر مقيدا بالعلم من باب نتيجة التقييد محل نظر للاحتمال ان يكون عدم الاعادة فى الفرعين من باب جعل البدل الموجب لتفويت المصلحة ، كما يظهر من بعض الأصحاب باستحقاق الجاهل المقصر للعقوبة فى الفرعين وإلا لو كان التقييد بنحو متمم الجعل لما استحق الجاهل فيهما للعقوبة ، إذ لا تقصير بناء على ذلك فلا تغفل.

ثم انه ينسب الى بعض حمل كلام الاخباريين على منع الملازمة بين حكم العقل والشرع استنادا الى بعض الأخبار كمثل (من دان الله بغير سماع من صادق ...) او قولهم (حرام عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوا منا) ... الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان كل حكم لم يكن الحجة واسطة في تبليغه لم يجب امتثاله بل يكون من قبيل اسكتوا عما سكت الله (١) ولكن لا يخفى

__________________

(١) قيل ان مراد الاخباريين هو منع حصول القطع من غير الكتاب والسنة ولكن لا يخفي انه يبعد ان يكون مرادهم ذلك إذ ذلك خلاف تصريح جملة منهم بعدم العمل بالقطع الحاصل من غيرهما نعم يمكن حمل كلامهم على منع

٢٣

ما فيه ان الاخبار لا دلالة لها على ذلك وانما هي فى قبال ما عليه العامة عن اخذ

__________________

استكشاف الحكم الشرعي من الحكم العقلي بناء على ان المراد من الحكم العقلي هو ادراك وجود المصلحة والمفسدة فى العقل وتبعة الاحكام للمصالح والمفاسد ومن ذلك يستكشف الحكم الشرعى فمن الواضح ان ادراك العقل بتحقق المصلحة لا يوجب استكشاف الحكم الشرعي على طبقها لامكان أن تكون المصلحة مقرونة بمفسدة تمنع من فعليتها ، كما يمكن ان تكون فعليتها مشروطة بشرط غير حاصل ، والعقل لا يمكنه الاحاطة بجميع الموانع والشرائط وحيث ان الشارع له الاحاطة بذلك لذا قيل بانه يجمع بين المتفرقات ويفرق بين المجتمعات إلا انه لو حصل القطع من ذلك فلا اشكال في حجيته لما عرفت من كونها ذاتية وغير قابلة للمنع للزوم المناقضة عند القاطع. ولا يخفى ان هذا المعنى للحكم العقلي هو محل الكلام بين الاخباريين وغيرهم واما لو كان المراد من الحكم العقلي إدراك استحقاق الذم أو المدح الذى هو من المستقلات العقلية فلا معنى للقول بانه يستكشف منه الحكم الشرعى لما هو معلوم ان ذلك في طول الحكم الشرعي ومن معلولاته فكيف يستكشف الحكم الشرعي ومثله ما لو كان المراد من الحكم العقلي ادراك امر خارجى مع قطع النظر عن تحقق شرع أو شريعة كادراكه بالملازمة بين المقدمة وذبها فلا يكون ادراك العقل لها ادراكا لحكم شرعي وبعد تحقق الحكم الشرعي بذي المقدمة يحصل للشخص القطع بوجوب المقدمة فالعلم بالملازمة أمر واقعي يدركه العقل ولم يكن هناك شرع أو شريعة ، نعم العلم باللازم معلول للعلم بالملازمة وثبوت الحكم الشرعي في الملزوم ولذا يكون حكم العقل بوجوب اللازم من الاحكام العقلية غير المستقلة فمع حصول القطع بوجوب اللازم يجب العمل على طبقه ولا يمكن للشارع منعه وإلّا يلزم وقوع المناقضة عند القاطع.

وبالجملة فادراك العقل بالملازمة لا يوجب ادراكا لحكم شرعي إذ هو ثابت وامر واقعي مع قطع النظر عن الشريعة ، وبعد العلم بالملازمة وحكم

٢٤

أحكامهم من الظنون والاستحسانات والاقيسة.

وبالجملة حمل كلام الاخباريين على ما ذكرنا من كون حكم العقل تعليقيا بالنسبة الى حجية القطع اولى مما ذكر ، وقد عرفت ان الحق هو ان حكم العقل تنجيزي ، وبه يثبت ان القطع بنفسه علة تامة للحجية ، وقد استدل لذلك بان منع العمل على مقتضى القطع يستلزم التناقض ، لانه بمجرد القطع يحصل للقاطع صغرى وجدانية وهي هذا بول وكبرى شرعية وهي كل بول يجب الاجتناب عنه فمنع الشارع يناقضه ولكن لا يخفى ان ذلك يتم بناء على العلية ، واما بناء على كون القطع مقتضيها للحجية وهو محل منع لان مفاده كون القطع قابلا للمنع فيتم حينئذ نظير الظن القياسي الممنوع من العمل به لدى الانسداد فان العلم فى حال الانفتاح كالظن فى حال الانسداد ، فاستنادا لتناقض الى العلية التامة لمنجزية القطع دور محال لأن التناقض انما يتحقق اذا قلنا بالعلية التامة والتناقض يتوقف على العلية التامة ، فلو استند اليه فى اثباتها كانت العلية متوقفة على التناقض ، اللهم إلا أن يقال ان توقف التناقض على العلية غير توقف العلية على التناقض ، إذ توقف التناقض على العلية انما هو فى مرحلة الثبوت وتوقف العلية على التناقض انما هي في مرحلة الاثبات فلا دور لتغاير الموقوف عليه ، ولكن لا يخفى ان التوقف من كلا الجانبين حاصل فى مرحلة الاثبات إذا التناقض إنما يكون دليلا على العلية التامة ، والدليل ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول ، والعلم بالمدلول معلوم من العلم بالدليل فلا بد ان يعلم ، اولا التناقض تم بواسطته يعلم بالعلية التامة والعلم بالعلية يتوقف على

__________________

الشارع بوجوب المقدمة يحكم العقل بوجوب المقدمة وذلك في طول الحكم الشرعي فلا يمكن منع العمل بقطعه لما عرفت من التناقض عند القاطع فلا تغفل.

٢٥

العلم بالتناقض ، ومن الواضح ان العلم بالتناقض لا يكون إلّا بعد معرفة العلية ، فيلزم التوقف من كلا الجانبين في مرحلة الاثبات وهو الدور ، إلا انه يمكن الجواب عنه بما اجيب عن الدور في التبادر وهو بالاجمال والتفصيل فان توقف العلم بالتناقض على العلم بالعلية التامة اجمالا وتوقف العلم بالعلية على التناقض تفصيلا ويكفي فى رفع محذور الدور مطلق التغاير ولو بالاجمال والتفصيل فلا تغفل.

المقام الثاني فى القطع الموضوعي وهو ما إذا تعلق بموضوع وكان لمتعلق القطع دخل في ترتب الحكم الشرعي ودخل ذلك اما بنحو تمام الموضوع واخرى بنحو جزء الموضوع وعلى التقديرين اما بنحو الطريقية واخرى بنحو الصفتية لان القطع فيه جهتان جهة قيامة في النفس ، وجهة تعلقه بالغير كالنور ، فان نورية النور بنفسه وهو منور للغير فان اخذ القطع تمام الموضوع كان بجهة قيامه في النفس وكان على نحو الصفتية ، وان أخذ جهة منوريته وتعلقه بالغير كان ذلك مأخوذا في الموضوع على نحو الطريقية اما اذا تعلق بموضوع وكان ذا حكم شرعي مع قطع النظر عن تعلق القطع به فلا اشكال في كونه بالنسبة الى نفس الموضوع يكون طريقيا وكذا بالنسبة الى نفس الحكم الشرعي ، لا يعقل حينئذ أن يكون لنفس القطع دخل فى الموضوع او الحكم ، واما بالنسبة الى حكم آخر فيمكن اخذه فى الموضوع بشرط ان لا يكون مماثلا لذلك الحكم او مضادا له ، مثلا اذا قطعت بخمرية الشيء المحكوم عليه بوجوب الاجتناب يجب اجتنابه او يحرم اجتنابه ، بل يجوز أن يكون مخالفا له ، قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية : (وقد يؤخذ موضوعا

٢٦

لحكم آخر يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده ، كما إذا ورد مثلا في الخطاب انه إذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك التصدق بكذا).

ودعوى انهما مع الاختلاف في المرتبة لا مانع من المماثلة والمضادة ممنوعة إذ حكم العقل في القطع لما كان تنجيزيا بموجب تنجز الحكم الاولي فى جميع المراتب ، فحينئذ لا يكون القطع موضوعا لحكم آخر مضاد له ، إذ كيف يعقل أن يكون القطع بحرمة الشيء الذي حكمه حرمة شربه ، موضوعا لوجوب شربه وليس ذلك إلا من قبيل الجمع بين الضدين.

واما المماثلة فللزوم اللغوية فى الجعل بعد حكم العقل بتنجز الحكم تنجيزيا ، واما بالنسبة الى نفس حكم المتعلق فلا يمكن جعله موضوعا له للزوم الدور الواضح إلا بنحو نتيجة التقييد على ما عرفت منا سابقا ، واما إذا تعلق القطع بموضوع لا حكم له فلا اشكال فى جواز اخذه فى موضوع ذلك الحكم ، بنحو تمام الموضوع أو جزئه على نحو الطريقية أو على نحو الصفتية. هذا كله بالنسبة الى اقسام القطع ، واما الظن فكالقطع فتارة يكون طريقيا محضا واخرى موضوعيا ، وعلى الأخير اما جزء الموضوع أو تمامه ، وعلى أي تقدير اما بنحو الطريقية أو بنحو الصفتية ، والكلام فى هذه الأقسام كالكلام في القطع نعم يختص المقام بامر آخر وهو انه على تقدير كونه طريقا لاثبات حكم متعلقه تارة يكون معتبرا واخرى غير معتبر ، ولا ريب انه إذا كان طريقا معتبرا لاثبات حكم المتعلق استحال جعله جزء لموضوع لحكم متعلقه لأنه لما كان منجزا بالطريق المعتبر امتنع انشاء حكم آخر مماثل له للغوية الجعل لا لأجل اجتماع المثلين مع تحقق الطولية في البين خصوصا بناء على المختار فى الأحكام

٢٧

الظاهرية انها أحكام طريقية غير ناشئة عن ارادة وانما هي أحكام عذرية عند المخالفة وتوجب التنجز عند المصادقة. نعم يمكن انشاء حكم آخر مضاد له كما لو قال الشارع إذا قامت البينة على شرب الخمر مثلا وجب الحد فان وجوب الحد غير وجوب الاجتناب المنجز بالطريق المعتبر ، إذ مع كونه طريقا لحكم متعلقه لا ينافي كونه جزء موضوع لحكم آخر مضاد له ولا يلزم منه اجتماع الضدين للاختلاف بينهما بحسب المتعلق فلا تضاد في البين ، واما إذا كان الطريق المأخوذ فى موضوع حكم متعلقه غير معتبر فلا يصح اخذه جزء موضوع لحكم آخر مطلقا لأن كونه جزء الموضوع ، معناه ان الحكم مترتب على الواقع مع الطريق ، واذا لم يكن الواقع ثابتا بالطريق فكيف يترتب الحكم بعدم تحقق موضوعه. نعم يصح أخذه تمام الموضوع مطلقا (١).

__________________

(١) لا يخفى ان عبارة الشيخ الانصاري (قدس‌سره) مختلفة وذكر الاستاذ النائينى (قدس‌سره) ان النسخة المصححة هي المنقولة فى حاشية الكتاب (وقد يؤخذ موضوعا للحكم سواء كان موضوعا على وجه الطريقية لحكم متعلقه أو لحكم آخر يقوم مقامه سائر الطرق الشرعية فيقال حينئذ انه حجة وقد يؤخذ موضوعا لا على وجه الطريقية لحكم متعلقه أو لحكم آخر ولا يطلق عليه الحجة فلا بد من ملاحظة دليل ذلك).

أقول الذي يظهر منه (قدس‌سره) ان الامارة تارة تؤخذ بنحو الطريقية المحضة واخرى بنحو الموضوعية ، وعلى الثانى اما ان يكون موضوعا على نحو الطريقية واخرى على نحو الصفتية وعلى كل منهما اما موضوعا لحكم المتعلق أو لحكم آخر واطلق الحجة على ما كان طريقا محضا وعلى ما كان موضوعا على نحو الطريقية لحكم المتعلق أو لحكم آخر باعتبار ان نفس الطريقية موجبة لأن

٢٨

ودعوى انه يلزم الجمع بين الضدين فيما لو أخذ موضوعا لما يضاد حكم

__________________

يكون وسطا دون ما كان ـ بنحو الصفتية فانه غير صالح لأن يكون وسطا ولا يخفى ما فيه.

اما اولا فلا يعقل أن يكون موضوعا لحكم المتعلق ان كان المراد شخصه إذ هو من الدور الواضح من غير فرق بين أن يؤخذ بنحو الطريقية أو الصفتية أو لمثله أو لضده فانه من قبيل اجتماع المثلين أو الضدين إلا ان يوجه بانه من قبيل اجتماع الحكم الظاهري والواقع لكون مرتبة الحكم الظاهري محفوظة فيكون موضوعا للحكم الظاهري فلا يكون من اجتماع المثلين أو الضدين للاختلاف بحسب المرتبة.

وثانيا ان الحجة عنده (قدس‌سره) ما كان وسطا لاثبات أحكام متعلقه فعليه كيف يطلق الحجة على ما كان موضوعا على نحو الطريقية لحكم آخر ثم ان المحقق النائيني (قدس‌سره) فى درسه الشريف بعد أن ذكر ان مراد الشيخ (قدس‌سره) من الحكم هو المثل فرق بين كون الظن المأخوذ موضوعا تمامه أو جزئه لحكم المماثل على نحو الطريقية وبين كونه على نحو الصفتية لعدم معقولية الاول دون الثانى لا لأجل محذور الجمع بين المثلين لعدم لزوم ذلك إذ العنوانين بينهما عموم من وجه أو مطلق ففي مورد التصادق يتأكد حكم المتعلق ، وانما المحذور هو ان الظن ليس من الطوارئ التى تحدث حكما آخر مماثل كالنذر مثلا بل ليس إلا احراز الواقع كما انه لا يعقل كونه موضوعا على وجه الطريقية لحكم مضاد للمتعلق بخلاف ما كان على نحو الصفتية فانه يكون حينئذ في العناوين التى تحدث أحكاما مماثلة أو مضادة فهو كالنذر ونحوه لعدم اعتبار الطريقية فيه. ثم اشكل على نفسه بان جعل الحكم المماثل فى الفرض يكون لغوا واجاب بعدم لزوم ذلك إذ الظن ان أخذ تمام الموضوع بان يقدم الظن ويقال مظنون الخمرية حرام فيكون بينه وبين نفس الخمر الواقعي حرام عموم من

٢٩

متعلقه مدفوعة لعدم لزوم ذلك لاختلاف المرتبة بين الحكمين كما انه بذلك يرتفع توهم التأكد لو أخذ موضوعا لما يماثل الحكم إلا إذا أخذ عنوان المطلوبية بنحو الجهة التعبدية فيتأتى ذلك المحذور لعدم تحقق الطولية حينئذ. هذا فيما لو اخذ الظن الغير المعتبر تمام الموضوع ، واما لو اخذ الظن المعتبر تمام الموضوع فالظاهر صحة اخذه موضوعا لحكم آخر ما لم يكن مضادا أو مماثلا

__________________

وجه ، ففى مورد التصادق يتأكدان وان أخذ الظن جزأ للموضوع بأن يتأخر الظن ويقال الخمر المظنون حرام ، فان دعوى اللغوية له مجال إلّا انه يمكن الجواب عنه بان في مورد التصادق تزيد درجة او درجات. هذا فيما إذا كان الطريق مجعولا ومعتبرا تكون الاقسام الممكنة ستة ، واما إذا كان الطريق غير معتبر فالممكن هو قسمان وهو ما اذا اخذ على نحو الصفتية جزءا لموضوع أو بنحو تمام الموضوع فلا مانع من أخذه لحكم المماثل ، واما اخذه لحكم يضاده فغير معقول لتضاد الحكمين فى المصادفة بتقريب ان الحكم الظاهري وان كان مختصا بصورة الشك في الواقع ولكن اطلاق الحكم ثبوتا يشمل صورة تعلق الظن به وحينئذ كيف يمكن جعل حكم ترخيصي أو الزامى مضاد له وليس إلا الجمع بين المحذورين ، كما انه لا يعقل أخذه بنحو تمام الموضوع على نحو الطريقية لما عرفت انه يلزم اجتماع اللحاظين فحينئذ تكون الاقسام ثمانية وهذه الاقسام ليس لها في الفقه عين ولا اثر سوى ما اعتبر طريقا محضا كالظن بالضرر المعتبر فى السفر والافطار والظن في عدد الركعات ، والظن في العدالة ، والظن بدخول الوقت إذا كان في السماء علة ، والظن بالقبلة عند تعذر العلم ، وما توهم انهما مما أخذ في الموضوع فى غير محله وقد استوفينا الكلام فى تقريراتنا لبحثه الشريف.

٣٠

لحكم متعلقه للزوم اجتماع الضدين أو المثلين فى المرتبة المتأخرة حيث انه حسب الفرض جعل الظن حجة وطريقا شرعيا تعبديا بتحقق حكم متعلقه في تلك المرتبة وحينئذ كيف يجعل فى تلك المرتبة حكم آخر مماثل له أو مضاد له وليس إلا من باب اجتماع المثلين أو المثلين كما لا يخفى.

قيام الامارات والاصول مقام القطع

المبحث الثالث في قيام الامارات والاصول مقام القطع الطريقي والموضوعي ، اما الامارات فقد وقع الكلام في قيامها مقام القطع على أقوال ثلاثة :

الاول قيامها مقام القطع الطريقي ولو اخذ في الموضوع ، الثانى عدم قيامها مقام ما اخذ فى الموضوع مطلقا ولو اخذ على نحو الطريقية ، الثالث قيامها مقام القطع بجميع اقسامه واختار شيخنا الأنصاري (قدس‌سره) الاول فقال ما لفظه : (ثم من خواص القطع الذى هو طريق الى الواقع قيام الامارات الشرعية والاصول العملية مقامه فى العمل بخلاف المأخوذ في الحكم على وجه الموضوعية فانه تابع لدليل الحكم ، فان ظهر منه او من دليل خارجي اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالامثلة المتقدمة قامت الامارات والاصول مقامه ، وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع في الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره إلى آخره).

بيان ذلك هو أن مفاد ادلة حجيتها هو احراز الواقع ويكون ما قامت عليه الامارة بمنزلة الواقع ، ومقتضى ذلك كونها بمنزلة القطع في الحجية والطريق الى الواقع ولازمه ترتيب آثار الواقع على المؤدى وذلك معنى قيامها مقام القطع بنفس

٣١

دليل اعتبارها ، واما آثار نفس القطع المأخوذ في الموضوع بما انه صفة كسائر الصفات فلا دلالة لتلك الأدلة على قيامها مقامه ، فلذا لا تقوم الامارات والأصول مقامه بل يحتاج الى قيام دليل آخر على التنزيل وقد منع الاستاذ (قدس‌سره) من قيامها مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على نحو الطريقية بدعوى ان قيامها مستلزم للجمع بين لحاظي الآلي والاستقلالي فى آن واحد وذلك محال فلا تتكفله ادلة الاعتبار بما حاصله ان تنزيل الامارة منزلة القطع على نحو الطريقية ، يقتضي لحاظ القطع والامارة آلة لمتعلقهما لرجوع ذلك الى تنزيل المؤدى منزلة الواقع فيكون النظر اليهما نظرا آليا وتنزيل الامارة منزلة القطع بلحاظ الموضوعية يقتضى ملاحظتهما مستقلا لرجوعه الى تنزيل الامارة منزلة العلم ، ولا ريب ان ذلك مستلزم للجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي فى آن واحد ، ولا يفي دليل التنزيل إلا بأحدهما إذ ليس لدليل التنزيل مفهوم جامع ، يعم التنزيلين لكي يلحظ التنزيل بذلك المفهوم الجامع لهما فلا بد من حمل دليل التنزيل على أحدهما ، والظاهر ان المستفاد منه هو تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، وبذلك يخرج دليل التنزيل عن الاجمال. وقد أجاب عن ذلك بعض الاعاظم (قده) بما حاصله ان المجعول فى الامارات هو الطريقية والاحراز الذى هو الجهة الثانية من لوازم العلم ولازمه ترتب الأثر على الواقع المحرز ، فقيام الامارة يوجب ان يكون الواقع محرزا من غير حاجة الى دليل آخر ، إذ المقام وان كان مركبا من جزءين الاحراز والواقع إلا انه ليس من قبيل سائر المركبات المحتاجة في ثبوتها الى دليلين كل دليل يتكفل لاثبات جزء ، بل المقام من قبيل تركب الشيء واحرازه فنفي الدليل الدال على الاحراز يوجب الاحراز يوجب تحقق

٣٢

كلا جزئي الموضوع ولا يحتاج الى جعلين لكي يقال ان الجعل الواحد يوجب الجمع بين لحاظي الآلي والاستقلالي فى آن واحد وهو محال (١).

ولكن لا يخفى انه لا معنى لجعل الاحراز والطريقية فان حقيقة الاحراز والكشف لما كان من الامور التكوينية غير القابلة لجعلها لتحقق احتمال الخلاف بالوجدان بعد الجعل إلا ان يكون بمعنى الاحراز الادعائى على نحو الادعاء الذي يدعيه السكاكى ، فيكون التعبد بالاحراز ، ولا يصح ذلك إلا للحاظ الاثر المرتب عليه من معاملة مؤدى الظن معاملة الواقع لكى يحصل التنجيز بالاحراز الادعائي كما حصل بالاحراز الواقعي ولم يكن اثر آخر يصح التنزيل غير الجري العملي اي الأمر بمعاملة ما هو مؤدى الظن منزلة الواقع الراجع الى ابراز الارادة الواقعية بمثل تلك الاحكام المعبر عنها بالاحكام الظاهرية فهى احكام طريقية انشئت لحفظ الاحكام الواقعية ولم تنشأ عن ارادة اخرى فمؤدى الامارة والاصول

__________________

(١) ومن لوازم جعل الطريقية والوسطية فى الاثبات والكاشفية المسمى ذلك بتتميم الكشف حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة ظاهرية ليست بالحكومة الواقعية فان مناط الحكومة الواقعية هو التوسعة والتضييق فى ناحية الموضوع توسعة واقعية بنحو يكون هناك موضوع واقعي فى عرض الواقع الاولى كمثل قوله (الطواف بالبيت صلاة) بخلاف الحكومة الظاهرية فان الحكومة الظاهرية في الامارات عبارة عن جعل المحرزية في طول الواقع لا في عرضه ، فالمجعول نفس المحرزية ، واما التنجيز والعذرية فمن اللوازم العقلية المرتبة على ما هو المجعول وليست هي المجعول وبنفس جعل المحرزية والكاشفية يكون الواقع محرزا كالعلم فحينئذ تقوم الامارة مقامه من غير حاجة الى دليل آخر وبنفس هذا الاحراز يحصل كلا جزئي الموضوع لو فرض الموضوع مركبا

٣٣

من غير فرق بين كونها تنزيلية أو غيرهما ، ولو مثل ايجاب الاحتياط انما هي

__________________

من الاحراز والواقع من غير حاجة الى دعوى الاحتياج الى تحقق الموضوع الى إحرازين أو تعبدين أو كان أحدهما محرزا بالوجدان والآخر بالتعبد كما هو كذلك بالنسبة الى الاجزاء المركبة كالصلاة لو اخذت موضوعا للتكليف مثلا فان ذلك يحتاج اليه بخلاف المقام فانه بنفس جعل المحرزية حصل الواقع المحرز فيحصل كلا جزئي الموضوع من غير حاجة الى تعدد التنزيل أو دعوى الملازمة العرفية بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وبين تنزيل الامارة منزلة العلم كما ادعاها المحقق الخراساني فى الحاشية وقد عدل عنه فى الكفاية بان ذلك يلزم الدور وليس له منشأ سوى الالتزام بتنزيل المؤدى وهو التزام باطل للزوم القول بالتصويب وعدم وجوب الاعادة والقضاء ، قال الاستاذ النائيني (قدس‌سره) انه لم لم يعكس ويقول بجعل المحرزية بان يكون التنزيل ناظرا لتنزيل الامارة منزلة العلم لسلم من جميع الاشكالات ، كما انه يندفع به الاشكال الدائر على السنة أهل العلم من زمان الشيخ الانصاري من ان الجعل الواحد كيف يتكفل كلا جزئي الموضوع فانه لازمه الجمع بين لحاظ الآلية والاستقلالية ، فان النظر الى الواقع آليا وإلى نفس العلم استقلاليا. وقد عرفت انه بنفس جعل المحرزية حصل كلا جزئي الموضوع من غير حاجة الى استفادة تعدد التنزيل المستلزم منه الجمع بين اللحاظين نعم يرد على جعل المؤدى هذا لو اخذ العلم طريقا محضا أو موضوعا على نحو الطريقية ، واما لو اخذ العلم على نحو الصفتية فلا تقوم الامارة مقام العلم لما عرفت من ان مفاد ادلتها الوسطية والكشف فكيف تكون موجبة لقيام الامارة مقامه من حيث كونه صفة. نعم يحتاج في قيامها مقامه الى دليل آخر ، ومع قيامه يكون من التنزيل الواقعي ويكون من الحكومة الواقعية نظير قوله (الطواف بالبيت صلاة) فدعوى الشيخ (قدس‌سره) انه لو قام دليل

٣٤

ناشئة عن الارادة الواقعية فهى تبرز تلك الارادة تعبدا والابراز والاحراز يكون تعبدا والمبرز والمحرز حكما واقعيا ناشئا عن ارادة واقعية ، ولذا عند المصادفة يكون ذلك الحكم الواقعي الناشئ عن الارادة الواقعية هو المطلوب ، وعند عدم المصادفة يكون حكما صوريا لم ينشأ عن ارادة ، وبهذا المعنى تشترك الامارات والاصول ويصح قيامها مقام القطع موضوعيا أو طريقيا إلا انها تفرق من حيث مفادها ، فان الامارة تكشف عن نفس الحكم الواقعي فى ظرف الجهل بنحو تتميم الكشف بمعنى التوسعة في الاحراز : فيكون الاحراز تعبديا للحكم الواقعي ، وبهذا المعنى صح تأليف القياس بان يكون وسطا في القياس كالتغير الذي هو وسط فى القياس لكونه حينئذ من الوسائط الثبوتية ، وحيث انك قد عرفت ان التوسعة للاحراز تعبديا صارت الامارة حاكمة بالحكومة الظاهرية على الاصول المغياة بالعلم كالاستصحاب واصالتي الحل والطهارة لرجوعها الى توسعة العلم ظاهرا ، إذ مرجعه لبا الى جعل حكم ظاهري طريقي فى البين ، كما انها بهذا الملاك تكون حاكمة على بقية الاصول ولو قلنا بجعل الاحراز والطريقية من دون استتباع حكم شرعي كما افاده البعض فلا يكون للحكومة معنى لا ظاهريا ولا واقعيا ، بل تكون الامارات بالنسبة الى الاصول واردة ، لأنه على ذلك المبنى

__________________

بالخصوص يكون مفاده كادلة الامارات من حيث الحكومة فتكون ظاهرية فى غير محلها لما عرفت انه من الحكومة الواقعية لوجود مناطها وهو التوسعة أو التضييق في الحكم واقعا والذي يسهل الخطب انا لم نعثر على اخذ العلم بنحو الصفتية موضوعا لحكم في الفقه وما ذكر من الامثلة كاخذه في الشهادة ونحوه فانما هو من العلم الطريقي فافهم واغتنم.

٣٥

يجعل مصداقا للعلم كما ان لازمة ان تكون حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة واقعية كمثل (الطواف فى البيت صلاة) كما هو لازم من يقول بجعل المؤدى منزلة الواقع مع انه لم يلتزم به أحد.

وبالجملة بناء على أن يكون الجعل متوجها الى الاحراز بنحو يكون مستتبعا للحكم الشرعي الذي مرجعه الى كون الاحراز تعبديا للحكم الواقعي الناشئ عن الارادة الواقعية ، ويكون الجعل بلحاظ الأثر المصحح له وهو الجري العملي الذي هو معاملة مؤدى الظن معاملة الواقع فصح قيام الامارات والاصول مقام القطع موضوعيا أم طريقيا ، وحينئذ يصح حكومتها ظاهرا على الاحكام الواقعية لكون مفاد دليل اعتبارها توسعة الاحراز تعبدا للاحكام الواقعية وحيث ان لسان الامارات لسان جهة احراز الواقع احرازا ظاهريا تكون حاكمة على الاصول المغياة بالعلم وغيرها حكومة ظاهرية ولا تكون واردة عليها لما عرفت من ان المختار كون الاحراز تعبديا وان كان المحرز حكما واقعيا بخلاف ما لو قلنا بان الاحراز يكون وجدانيا والمحرز حكما تعبديا كما هو مبنى البعض من جعل الاحراز من دون ان يستتبع حكما شرعيا من الامر بمعاملة مؤدى الامارة معاملة الواقع ، كما انه لا تتم حكومة الامارات على الاحكام الواقعية حكومة ظاهرية بل تكون واقعية (كالطواف بالبيت صلاة) كما هو لازم من يقول بجعل المؤدى ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه على المختار من ان الاحكام الظاهرية انما هي أحكام طريقية انشئت لحفظ الواقع الناشئ عن الارادة الواقعية من دون أن تنشأ ارادة اخرى ، فحينئذ يرتفع اشكال جمع بين لحاظي الآلية والاستقلالية فى آن

٣٦

واحد لا مكان الاخذ باطلاق دليل التنزيل (١) في مرحلة الاحراز والوصول وذلك يكون بلحاظ الآثار العملية المترتبة على الواقع والعلم ، ومرجعه الى الأمر بالمعاملة مع الظن معاملة العلم اما بموافقة حكم نفسه أو بموافقة متعلقه وببيان آخر ان المستفاد من دليل التنزيل انما هو في مقام العمل مثل قوله : (خذ معالم دينك

__________________

(١) لا يخفى ان دليل التنزيل ان كان ناظرا للمفهوم والمؤدى فلا يلزم الجمع بين اللحاظين الآلية والاستقلالية لا مكان لحاظ المفهوم والمؤدى بلحاظين مستقلين فى زمانين ، أو بلحاظ واحد في آن واحد بنحو يكون كل واحد ملحوظا ضمنيا ولا مانع من ذلك ، إذ هو كثير في الاستعمالات العرفية كقولك الكف مثل تلك الكف قاصدا تنزيل كل اصبع منها منزلة ما يناسبه ، وبهذا المضمون وردت بعض الاخبار الدالة على تنزيل الامارة منزلة العلم وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كقوله (ع) (العمري وابنه ثقتان ما اديا عنى فعنى يؤديان او ما قالا فعنى يقولان) وما كان من الأخبار ليس بهذا المضمون فانه يحمل عليه جريا على ما هو المرتكز عند العقلاء في ترتب آثار العلم والمؤدى ، نعم لو كان المضمون منها ما هو ملحوظ فى مقام الجعل خصوص المفهوم فقط للزم فيه الجمع بين اللحاظين الآلية والاستقلالية لو اريد منه المؤدى لعدم امكان ان يكون المفهوم ملحوظا موضوعيا المقتضى لتنزيله منزلة العلم وطريقيا المقتضى لتنزيل المؤدى منزلة الواقع وعليه لا يفي دليل التنزيل لهما بل لا بد من حمله على احدهما قال المحقق الخراساني في الكفاية ما هذا لفظه (فان الدليل الدال على الغاء الاحتمال لا يكاد يفى إلا بأحد التنزيلين حيث لا بد فى كل تنزيل منهما من لحاظ المنزل والمنزل عليه ولحاظهما في أحدهما آلي وفي الآخر استقلالي ، إلى أن قال ولا يمكن الجمع بينهما ثم اشكل على نفسه بما ملخصه بانه لا يمكن حمل دليل التنزيل على أحدهما لاحتمال ارادة احدهما فيكون الدليل مجملا ، واجاب عن ذلك بظهور

٣٧

من الثقاة) اي اعمل على وفق قول الثقة فيكون التنزيل ناظرا لمقام العمل اي

__________________

دليل التنزيل فالحمل على اللحاظ الآلي وارادة اللحاظ الاستقلالي اي خصوص الموضوعي يحتاج الى قرينة ولكن لا يخفى انه بناء على جعل المنجزية والعذرية على ما اختاره (قدس‌سره) في جعل الطرق لا يلزم منه الجمع بين اللحاظين إذ تنزيل الامارة منزلة القطع بقسميه لا يحتاج إلا إلى لحاظ واحد استقلالي حينئذ لأن القطع بنفسه له حكم عقلي وهو المنجزية والعذرية المترتبة على القطع الطريقى وله حكم شرعي مترتب على ما اخذ في الموضوع فعليه يمكن للشارع ان ينزل الامارة منزلة نفس القطع من جميع الحيثيات من دون نظر إلى الطريقية والموضوعية ولا يلزم منه الجمع بين اللحاظين بل يحصل ذلك بلحاظ واحد وهو اللحاظ الاستقلالى ، على ان اشكال الجمع بين اللحاظين انما يتأتى بناء على تنزيل المؤدى ، واما بناء تنزيل الامارة منزلة العلم فيكفي اللحاظ الاستقلالي فيه ، ودعوى تصحيح اللحاظ الواحد في مفاد دليل التنزيل بتقريب وفاء انشاء واحد للتنزيلين بان ينحل الى إنشاءين في عرض واحد يدل على أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام بان يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة ويدل على التنزيل الآخر بالالتزام لما هو معلوم ان الاثر يترتب على الواقع باعتبار تعلق القطع ولكن لا يخفى ان صحة هذه الدعوى مبنية على تحقق الملازمة بين التنزيلين ولا يبعد تحققها كما ان صحتها مبنية على انحلال دليل التنزيل الى تعدد الانشاء وانهما في عرض واحد وان أحدهما محرر حقيقة والآخر تعبدا أو ان التنزيلين متقارنان واما إذا لم يكونا كذلك او لا يستفاد من دليل التنزيل التعدد بان كان دليل التنزيل يفي بأحدهما كما هو كذلك لعدم استفادة التعدد فيه فان التعدد يستفاد فيما اذا كان متعلقه مركبا من اجزاء كالامر بالصلاة فانه ينحل الامر بالصلاة الى الامر باجزاء

٣٨

امر بتطبيق العمل على قول الثقة ، وإذا صار التنزيل فى مقام العمل صح قيام الامارة مقام القطع الطريقي والموضوعي ، إذ العلم بالنسبة إلى العمل له جهة موضوعية ، غاية الفرق ان العلم الطريقى له الدخالة بنحو الشرط الى المشروط والعلم الموضوعي له الدخالة بنحو المقتضى وبالجملة لما كان التنزيل ناظرا الى جهة العمل فيلحظ العلم حينئذ لحاظا استقلاليا لانه بالنسبة الى العمل فيه جهة موضوعية ، وعليه لا يلزم الجمع بين لحاظي الآلية والاستقلالية في آن واحد ، كما انه عليه صح حكومة الامارة على الاستصحاب وقاعدتى الحل والطهارة لان قيام الامارة تنزل الامارة منزلة العلم فيرتفع موضوع القاعدتين حكما لا حقيقة ، ولو سلمنا ان التنزيل ناظر الى خصوص الاثر ومنعنا التنزيل بخصوص العمل فنقول انا نمنع كون التنزيل ناظرا الى خصوص الاثر الشرعي المرتب على المنزل عليه ، بل نقول نوسع فى الاثر وانه يعم الاثر العقلي.

بيان ذلك ان لسان التنزيل تارة يكون ناظرا الى تنزيل شيء منزلة شىء فى خصوص ترتب الآثار الشرعية وحينئذ لا يصح إلا وان يكون للمنزل عليه آثار شرعية ، فمع عدم تحققها لا يكون للتنزيل معنى ، واخرى لم يكن التنزيل ناظرا الى هذه الخصوصية ، بل يكون نظره الى تنزيل شيء منزلة شىء من دون نظر الى الآثار الشرعية فانه يصح اذا كان المنزل عليه اثر ولو عقلي لان المستفاد من هذا التنزيل ترتيب جميع الآثار شرعية كانت أو عقلية. نعم لا يصح لو لم يكن للمنزل عليه اثر اصلا. وبالجملة مرجع هذا الوجه الى ان التنزيل

__________________

الصلاة وذلك لا يجرى فى المقام ، فان القطع بالخمرية التعبدية ليس من اجزاء المتعلق لكى يكون قابلا للانحلال فتأمل.

٣٩

لا بشرط إلا وان يكون له اثر شرعي في المنزل عليه بل يكفي التنزيل للحاظ الاثر ولو كان عقليا ، والمستفاد من دليل التنزيل فى الامارة هو تنزيل الامارة منزلة العلم في ترتيب الآثار التى كانت مرتبة عليه عقلية كانت كما هو كذلك فى العلم الطريقي الذي هو وجوب العمل على طبقه ، او شرعية كانت كما في العلم الموضوعي. فعليه يلاحظ العلم في مقام التنزيل باللحاظ الاستقلالي إذ هو الموضوع للاثر. وعليه يحمل كلام الشيخ الانصاري من دعوى قيام الامارة منزلة القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية. ودعوى حمله على ان المعتبر في الموضوع وان كان بظاهره يدل على ان المعتبر خصوصيته بما له من الانكشاف الوجداني إلا انه قد يدل دليل خارجي على ان اعتباره فيه بماله من الانكشاف الذي هو اعم من الوجداني والتعبدي وهذا النحو من الاعتبار ان تحقق فهو سار فى الامارة وكل دليل تعبدي ان يقوم مقام العلم ممنوعة ، فان ذلك مناف لما بنى عليه (قدس‌سره) من حكومة الامارة على الاستصحاب وقاعدتي الحل والطهارة إذ بناء على ما ذكر يكون قيام الامارة موجبا لتحقق مصداق الاحراز الموجب لرفع الشك الذى هو موضوع الاستصحاب والقاعدة فتكون الامارة بالنسبة اليها واردة عليها لا حاكمة. نعم هنا اشكال آخر وهو ان موضوع الاثر لو كان هو العلم مع متعلقه كما هو كذلك لو اخذ القطع جزء الموضوع وقلنا يجعل المؤدى فلا يكفي قيام الامارة مقام العلم بل يحتاج الى دليل آخر يتكفل بقيام المؤدى منزلة الواقع لأن دليل التنزيل ليس فيه دلالة إلا على احد التنزيلين اما تنزيل المؤدى منزلة الواقع او تنزيل الظن منزلة الواقع ولذا التزم الاستاذ (قدس‌سره) بصحة دليل التنزيل الدال على أحدهما اذا كان الجزء

٤٠